الثقوب السوداء 

فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ ﴿15﴾ الْجَوَارِ الْكُنَّسِ ﴿16﴾ سورة التكوير

        تطورت علومنا و تطورت اختراعاتنا الى ان وصلنا لما وراء النجوم وصلنا لعلمٍ يؤهلنا لفهم هذا الكون العظيم الذي مهما حاولنا التعمق فيه وجدنا انفسنا نغرق أكثر فأكثر في بحرٍ بديع من خلق خالقٍ واحد أرانا فيه بديع قدرته و جمال خلقه ، و إحدى تلك الابداعات هي الثقوب السوداء التي ما زلنا للآن لا نستطيع الوصول اليها للتأكد من ماهيتها . 
الثقوب السوداء هي الأغرب و الأكثر تشويقاًً من بين مكونات الفضاء الخارجي ، هي عبارة عن كتل ذات كثافة عالية جدا ، تحدث مجالاً جاذبياً يستطيع جذب أكبر الأشياء التي نستطيع تخيلها ، الثقوب السوداء يمكنها جذب الكواكب ، النجوم و حتى الضوء لا يستطيع الفرار منها بالرغم من انه يمتلك أسرع سرعة متعارف عليها في علومنا الحالية و التي من المستحيل علينا حاليا ان نخترع جهازا قادرا على تحريك جسم بمثل هذه السرعة ، تلك الثقوب السوداء تم الكشف عنها عن طريق العالم البرت اينشتاين في عام ١٩١٦ عن طريق نظريته النسبية والتي اوضح فيها ان هناك ثلاث انواع من الثقوب السوداء 

ثقب أسود صغري : طريقة افتراضية، ويمكن من الوجهة النظرية أن تتكون في معجل جسيمات

ثقب أسود نجمي: وهي أجرام تبلغ كتلتها بين 4 – 15 كتلة شمسية

ثقب أسود متوسط الكتلة : ويتميز بكتلة بين 100-10000 كتلة شمسية.

ثقب أسود فائق الضخامة : وتبلغ كتلته عدة ملايين أو عدة بلايين كتلة شمسية .   

 و لتعريف الثقب الأسود علمياً الثقب الأسود هو المرحلة الأخيرة من عمر نجم عظيم الكتلة. وفي الواقع فهو ليس نجما حيث أنه لا يولّد طاقة عن طريق الاندماج النووي (يتوقف الاندماج النووي في النجم كبير الكتلة بعد استهلاكه لوقوده من الهيدروجين والهيليوم ويصبح ثقبا أسودا لا يشع ضوءا).
من فهمنا للثقوب السوداء نرى انه منذ ما يزيد عن الف و اربع مئة عام في قرآننا الكريم قال الله تعالى في سورة التكوير : فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ ﴿15﴾ الْجَوَارِ الْكُنَّسِ ﴿16﴾ ، فما هي ٱلْخُنَّسِ التي أقسم بها تعالى؟ { فَلا أُقْسِمُ بالخُنَّسِ الجَوَارِ الكُنَّسِ } التكوير – 16، لا بد أن يكون لهذا القسم شأن يتناسب مع عظمة القسم والمقسوم به، قال أهل التأويل: هي النجوم الدراريّ الخمسة: بَهْرام، وزُحَل، وعُطارد، والزُّهَرَة، والمُشْتَري – تفسير الطبري، وهي الكواكب المعروفة في ذاك الوقت. ذكر من قال أن رجلاً قام إلى عليّ رضي الله عنه، فقال: ما { الجَوَارِ الْكُنَّسِ } قال: هي الكواكب. أي أن الله تعالى أقسم يالكواكب واصفاً إياها بأنها 1- تخنس 2- تجري 3- تكنس!

لتوضيح الموضوع، يتوجب علينا تبسيط المفاهيم لغوياً، فالخنس في لسان العرب هو إنقباضُ الشيء على نفسه والاستخفاء، فالكواكب تدخل في منازل مثل القمر كل حسب موقعها من ناظرها من الأرض فيزداد ضوءها ويقل، وورد الخنوس في سورة الناس { الْوَسْوَاسِ الخَنَّاسِ } قال: ينبسط، فإذا ذُكر الله خَنَس وانقبض، أما الجوار: تجري في السماء، الخَيْلُ تَجْرِي والرِّياح تَجْرى والشمسُ تَجْرِي، أما الكنس: تكنس ما حولها، كَنَسَ الموضع يَكْنُسُه، بالضم، كَنْساً: كَسَح القُمامَة عنه. أي أن الله تعالى وصف الكواكب بأنها تنقبض على نفسها وتجري في السماء وتكنس ما حولها من انقاض أو قمامة، وهذا بالضبط ما يحصل للنجوم بعد موتها تنقبض لتصبح ذات حجمٍ صغير بالنسبة لحجمها الأصلي و من بعد ذلك تبدأ بكنس ما حولها من مواد مهما كانت خصائصها لتذهب بعد ذلك الى مكانٍ لا علم الا لله سبحانه و تعالى به .

في ١٩٩٢تم بناء مرصد الأمواج الثقالية في الولايات المتحدة الامريكية LIGO لغرض تحسس الموجات الثقالية، يتبع مشروع ليغو مرصدان ، أحدهما في هانفور بولاية واشنطن والآخر في ليفينجستون في لويزيانا . تبلغ المسافة بين المرصدين نحو 3000 كيلومتر. ونظرا لأن موجات الجاذبية تنتشر بسرعة الضوء فيمكن تحديد موقع مصدر موجة ثقالية (سوف يسجلها المرصدان ) عن طريق حساب الفرق في وصول الموجة الثقالية إلى المرصدين . كما يمكن بذلك فصل الضوضاء الأرضية التي تنتشر بسرعة الصوت ، مثل هزات أرضية أو زلازل أو اهتزازات عن قياسات حقيقية لمواجات الجاذبية .

يتكون كل مرصد من أنبوبين طويلين متعامدين على بعضهما البعض أفقيا . يبلغ طول الأنبوب الواحد 4 كيلومترات ومفرغ من الهواء . ويوجود في تقاطع الأنبوبان مقياس تداخل ليزري . كما يوجد في مرصد هانفورد جهاز تداخل ثاني يعمل على نفس النظام المفرغ من الهواء ولكن بطول أنبوب 2 كيلومتر .

 و في شهر سبتمبر من ٢٠١٥ رصد ال LIGO الموجات الجاذبية النابعة من ثقبين اسودين يدوران حاول بعضهما ليبتلع احدهما الاخر تبلغ كتلة الواحد منهما ٣٦ ضعف كتلة الشمس ، و مثل هذا الحدث كان من المتوقع انه داكن أي انه لن نستطيع التعرف عليه او رصده ، ولكن المرصد الفضائي Fermi رصد أشعة جاما بعد جزء من الثانية من الإشارةالتي رصدها ال LIGO مما ينبأنا بان هذان الثقبان تكونا من قِبل نجم اضخم منهما قد مات مما ادى الى انتشار اشعاعات جاما. 

و عادةً عندما يصل النجم الى مرحلة الموت تنكمش نواته لتصبح ثقبا اسودا ، ولكن اذا كان يدور حول نفسة بسرعة عالية جداً من الممكن للنواة ان تتمدد و تنقسم لتكون ثقبين اسودين يدوران حول بعضهما بسرعة اكبر من قبل ،و مثل هذا الاكتشاف قد يفيدنا بقياس التوسع الكوني
والآن بعيدا عن عالمنا الحقيقي تم اصدار فيلم “Interstellar” للمخرج الكبير “كريستوفر نولان “الذى يتم عرضه الآن بجميع أنحاء العالم، يعتبر رحلة مشوقة للعقل ويعد أغرب تجربة سينمائية لـ”نولان” منذ فيلمه “Inception” الذى عرض عام 2010. وعلى عكس ” Inception” يستند فيلمه الحالى “Interstellar” على مفاهيم علمية حقيقية مثل النجوم النيوترونية، وحركة دوران الثقوب السوداء فى الفضاء، وتمدد الزمن، لابد أن تكون على درايه حتى ولو طفيفة بهذه المفاهيم قبل مشاهدته حتى لا ينتهى بك الأمر إلى الشعور بعدم الإدراك قليلا خلال متابعتك للفيلم. وتدور أحداث الفيلم عن فريق من المستكشفين يقومون برحلة من خلال “ثقب دودى”، الذى يخترق الزمان فى الفضاء وينقلهم إلى جانب آخر من النظام الشمسى بواسطة حركة دوران ثقب أسود للشمس، ومن الضرورى أن يسابقوا الزمن والفضاء لاستكمال مهمتهم، وبالرغم أن هذه الرحلة الفضائية تتسم بالعديد من الغرابة لكنها تعتمد على بعض مبادئ الفيزياء الأساسية، وفقا لموقع “بزنس انسايدر” الأمريكى، وإذا فهمت هذه المبادئ، سوف تستغرق وقتا أقل فى التخمين والمزيد من الوقت فى الاستمتاع بالفيلم. وفيما يلى موجز لمفاهيم الفيزياء الخمسة، التى تحتاج معرفتها من أجل فهم ” Interstellar”. الجاذبية الاصطناعية ” Artificial Gravity” سفينة الفضاء فى الفيلم هناك مشكلة كبيرة تواجهنا نحن البشر عند السفر إلى الفضاء على مدى طويل وهى انعدام الجاذبية فى الفضاء.. لقد ولدنا على الأرض، وبالتالى فقد تكيفت أجسامنا للعمل تحت ظروف معينة لجاذبية، ولكن عندما نكون فى الفضاء لفترة طويلة من الزمن تصاب عضلاتنا بنوع من التحلل، وهذه مشكلة واجهها طاقم المستكشفين فى الفيلم أيضا. وللتغلب هذه المشكلة ابتكر العلماء تصميمات مختلفة لخلق جاذبية اصطناعية فى سفن الفضاء ويعتبر واحد من هذه السبل هو تدوير المركبة الفضائية “مثل ما حدث فى الفيلم” دوران يخلق قوة وتسمى قوة الطرد المركزى، الذى يدفع الكائنات إلى الجدران الخارجية للمركبة فضائية، وهذا يخلق تأثيرا مماثلا تماما للجاذبية، ولكن فقط فى الاتجاه المعاكس. حركة دوران الثقوب السوداء ” Spinning Black Holes” دوران الثقب الأسود فى Interstellar فى مركز كل ثقب أسود يندمج نجم هائل الضخامة يسمى نجم نيتروني، وقد اكتشف علماء الفلك أن بعض النجوم النيترونية تدور بمعدل آلاف المرات فى الثانية الواحدة، وينتج دوران تلك النجوم النيترونية دوران هائل للثقوب السوداء، وهذا الشىء الذى أثبته علماء الفلك، ما تحتاج معرفته حول دوران الثقوب السوداء هى أنها تتسبب فى دوران الفضاء من حولهم بشكل مختلف عن الثقوب السوداء الثابتة. الثقوب الدودية ” Wormholes” الثقب الدودى فى الفيلم تعد الظاهرة الفيزيائية الوحيدة فى الفيلم التى ليس لديها أى أدلة للإثبات على وجودها ولكن استخدمها صناع الفيلم بشكل خيال علمى، وهى تتطلع إلى اجتياز المسافات الكونية. من خلال ثقب مماثل للثقوب السوداء لكنه يخلق معبر مختصرا يدمج فيه الفضاء والزمن ليربط بين الاثنين. ويرجع هذا المسمى لنظرية “جسر اينشتاين روزين ” التى وضعها “ألبرت أينشتاين” وزميله “ناثان روزن” فى عام 1935. الإبطاء الزمنى بسبب الجاذبية ” Gravitational time dilation” مشهد من الفيلم لكوكب الأرض والمركبة الفضائية الإبطاء الزمنى بسبب الجاذبية هى الظاهرة الحقيقية التى لوحظت على الأرض، وويحدث ذلك نظرا لنسبية الوقت بمعنى أن الوقت يمر بمعدلات مختلفة نظرا لاختلاف الأماكن بمعنى أن الوقت يمر بسرعة فى بيئات الجاذبية القوية ويمر أبطأ فى بيئات الجاذبية الضعيفة. واقع خماسى الأبعاد ” Five-Dimensional Reality” مشهد للنجم “ماثيو ماكونهى” بطل فيلم Interstellar قضى ألبرت أينشتاين السنوات الـ30 الأخيرة من حياته فى العمل على ما يسميه علماء الفيزياء “نظرية الحقل الموحد”، التى من شأنها أن تجمع بين مفهوم حسابات الجاذبية مع القوى الثلاثة الأساسية الأخرى من الطبيعة: القوة النووية القوية، القوة لنووية الضعيفة، والقوة الكهرومغناطيسية.. لكنه فشل فى العثور على واحد، وكذلك فشل عدد لا يحصى من علماء الفيزياء منذ أينشتاين، وذلك بسبب أن الجاذبية ترفض فى التعاون لكن بعض علماء الفيزياء يعتقدون أن هناك طريقة واحدة لحل هذا اللغز عن طريقة تهيئة الكون، كما لو أنه يعمل على خمسة أبعاد بدلا من رباعى الأباعد، الذى وصل إليه “اينشتاين” فى نظرية النسبية وهى عبار عن فضاء ثلاثى الأبعاد وبعد واحد من المكان المعروف باسم “الزمكان”. كل هذه النظريات والحقائق لعب بها “كريستوفر نولان” فى أسطورته الجديدة لخلق عالم موازى للمشاهد خلال متابعة الفيلم وليطرح فى أذهان المشاهدين عالم من التساؤلات حول مدى حقيقة هذا العالم.

Check Also

لم تكن و لن تكون فأنت غالباً غير حقيقي

الحقيقة دائما أغرب من الخيال – لورد بايرون نعم انه لعنوانٌ  غريبٌ بعض الشيئ  ولكن  هل …

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *